اخر الأخبار

;

تنوع الكتب المدرسية نعمة أو نقمة

منذ نزول الميثاق الوطني للتربية والتكوين ,تم اقرار تعدد الكتب المدرسية وفتح الباب لكل من وجد في نفسه القدرة على تحمل مسئولية التأليف وصنع الكتاب المدرسي ,وبالفعل كان هناك العديد من الفاعلين التربويين من أساتذة ومفتشين وغيرهم على أهبة الاستعداد لخوض هذه التجربة الفريدة في تاريخ التربيةوالتكوين ,لأنه قبل اقرار الميثاق لهذه الاستراتيجية   ان وزارة التربية الوطنية وجسدة في مديرية المناهج هي المكلفة باعداد الكتاب المدرسي ولم تتم الاشارة الى مؤلفيه أو الى صفاتهم كما هو الحال اليوم في الكتب والمقررات الحالية .
اذا القينا نظرة متفحصة لمؤلفي الكتب المدرسية الحالية ننوعا بارزا على مستوى انتماءاتهم المهنية من حيت الهيئة التي ينتمون اليها سواءا كانت هيئة التدريس أو هيئة التفتيش أو الادارة أو غيرها..الا أنه من الظروري أن نسجل أن هناك أحينا تناقضا بيينا على مستوى لجان التأليف مثلا في بعض الكتب الخاصة بالسلك الابتدائي نجد أن كل مؤلفيها ينتمون الى هيئة التفتيش بالثانوي, وهذا أمر خطيرلأنه من حقنا أن نطرح السؤال التالي ما علاقة مفتش بالتعليم الثانوي بتلاميذ التعليم الابتدائي أونجد من ضمن المؤلفين أساتذة جامعين وأساتذة التعليم الثانوي ,حقا أنه أمر غريب .كيف لهؤلاء أن يعرفوا طبيعة طفل لم يعايشوه ولم يدرسوه .حتى على مستوى المعارف التربوية التي يحملهاهؤلاء الاساتذة والمفتشون يصعب القيام لها بعملية النقل الديداكتيكي ولهذا أحيانا نجد أن بعض الدروس تتم مقاربتها بطريقة صعبة أومعقدة تعتمد مبدأ التعقيد بدل التبسيط.وحتى يتجنب بعضهم هذه الملاحظة أو بالاحرى هذا الانتقاد يدرجون معهم أستاذة أو أستاذ ينتمي للسلك الابتدائي بكن الأمر سيان . رغم أن الكتاب الابيض ودفتر التحملات حددوا بشكل واضح نسبيا الصورة النموذجية للكتاب المدرسي الا أنه كما يقال الشيطان يكمن في التفاصيل ,حتى أحيانا المنهجية المقترحة في كتاب الاستاذ من وضعيات ديداكتيكية غالبا ما تجدها بعيدة عن وقع التعليم الابتدائي ,كل هذا نتيجة لاعتقاد واحد هو استسهال التدريس بالسلك الابتدائي واختصاره في مجرد المعارف البسيطة التي يجب تلقينها للمتعلمين وهذا اعتقاد خاطئ و خطأ تربوي فادح فالمشكل لا يكمن في طبيعة المعارف بنسبة كبيرة بقدر ما يكمن في كيفية تقديم هذه المعارف في الوقت المحدد بطريقة مثيرة للانتباه دون جعل التلميذ يمل بسرعة ويفقد تيقظه فالمعارف المقدمة في السلك الابتدائي هي نسبية معارف أولية بسيطة لكنها معقدة من ناحية التقديم .
بالاضافة الى اشكالية المؤلفين وتنوعهم حسب الكتب المدرسية نجد الاباء يشتكون من هذا التنوع الذي يظنون انه يكلفهم هبئا ماديا كل سنة ففي بعض الاحيان تنتقل أسرة من مدينة لاخرى فتجد نفسها ملزمة بشراء كتب جديدة مرة أخرى لأن الكتب الاولى ليست معتمدة في المدينة التي حلو بها وهنا بالفعل اشكال كبير .فالتنوع هنا هو نقمة وليس نعمة .
يكمن سبب تنويع الكتب المدرسية حسب المسئولين بالقطاع والمؤلفين هو مواكبة الواقع المعيش للمعلم حيث أن المتعلم في الوسط القروي ليس هو المتعلم بالوسط الحضري وهناك أسباب أخرى تكمن في اذكاء روح التنافس بين لجان التأليف واختيار الأجود من هذه الكتب ,الا أن الوقع يفند هذه الادعاءات فالكتاب المدرسي في الواقع لا يتغير فيه شيء ,أما بالنسبة للاختيار فمصالح الوزارة حرست على اعطاء الفرصة لكل الكتب التي تمت المصادقة عليها حتى لا تكون هناك خسارة للمؤلفين والناشرين ..  وهنا يمكن أن نطرح السؤال ما الفائدة من هذا التنوع اذا كان لا يؤدي دوره الاساسي في التأقلم مع واقع المتعلم؟
بعد كل ما تطرقنا اليه سابقا من رصد لظاهرة تنوع الكتاب المدرسي لابد من اقتراح تصور حول الطريقة المثلى التي يجب أن يكون علها التنوع والأسس التي يجب أن تحكم هذا التنوع , ففي الاختلاف رحمة,وحتى يكون في اختلاف الكتاب المدرسي رحمة يجب الانطلاق من اختلاف أوساط المتعلمين وثقافاتهم ,فلابد مثلا في تدريس اللغة العربية أن يتم التمييز بين الأطفال الذين لغتهم الأم هي العربية الدارجة و الذين لغتهم الأم هي الامازيغية .فالاطفال الذي ينحدرون من أوساط لغتهم الام هي العربية الدارجة يسهل عليهم اكتساب اللغة العربية الفصحى لأن الدارجة هي تحوير للعربية الفصحى وهناك نسبة كبيرة ن المصطلحات متداولة في الدارجة نجدها كما هي في الفصحى ,أما بالنسبة للطفل الذي لغته الام هي الامازيغية والتي يتحدثها في المنزل والشارع و...فلابد من أخذ الاعتبار لهذه الجزئية رغم بساطتها الا أن لا أحد يدركها كما يدركها الاستاذ الممارس في القسم.
 هناك أمر أخر وهو أن الكتاب المدرسي في المغرب موجه بحسب توجه واحد وهو أن كل الأطفال اجتازوا مرحلة العليم الأولي وهذا خطأ قاتل اخر وأظن أنه ناتج عن عدم اجراء دراسة كافية قبل تنزيل الكتب المدرسية ,وهكذا يجب أن يتم اخذ هذا الأمر بعين الاعتبار واعتماد كتب مدرسية تراعي المسار الدراسي للمتعلم لضمان فعلية قصوى للتعلمات ,وعدم رمي الحمل كاملا على الأستاذ لتكيف البرنامج ككل اختصارا للوقت والجهد فلا يعقل أن يبدأ الكتاب المدرسي للسنة الاولى بنصوص قرائية طويلة وغير مشكلة (مثال كتاب كتابي في اللغة العربية للسنة الاولى) أو اعتماد لغة صعبة ونصوص أدبية معقدة كما هو الحال في أحد كتب اللغة الفرنسية للسنة الرابعة .وقد يقول قائل بأن الكتاب المدرسي يجب أن يتبنى مبدأ وضع المتعلم في الوضعية المشكل أو في حالة اللاتوزن من خلال تعريضه لمجموعة من الصعوبات ليتمكن من إيجاد الحل وبناء معارفه الا أن هذا لا يمنع من مراعاة قدرات المتعلم وبيئته.
ان السؤال المؤرق كيف يمكن ان يكون هذا الاختلاف نعمة ؟ هو سؤال يسهل نسبيا الاجابة عليه خاصة أن الوضع الحالي يفصح أن الاختلاف المعتمد في الكتاب المدرسي حاليا هو نقمة .فالأحرى بالاختلاف مراعاة ظاهرة الاقسام المشتركة والمتعددة المستويات حيت نجد أنواعا من الكتب تحاول حل هذا الإشكال أو حتى المساعدة في حله الاقسام المشتركة بالمغرب لا زالت تعتمد في التدريس فيها على الكتب العادية الموجهة للأقسام العادية الوحيدة المستوى وهذا من اكبر أخطاء النظام التربوي المغربي , وضربة قاضية لجودة التعلمات .خاصة أن هذه الظاهرة هي كالابن الغير الشرعي لهذا النظام التربوي  الذي لا يريد الاعترف به سواء منخلال دراسات خاصة أوتكوينات متخصصة ..
وفي النهاية لابد أن نشير الى انهنا الكثير من الاختلافات التي يجب مراعاتها  عند تألف الكتاب المدرسي ,والتي لا يعقل أن تهمل فإما أن يكون هناك اختلاف أو نرجع الى النظام الموحد للكتب المدرسية ,فلا مجال لاختلاف مصطنع يكمن فقط في مسميات براقة هي بالاحرى تذكرنا بكتب التاريخ بدل ان تلفت انتباهنا كعناوين كتب مدرسية. فالكتاب المدرسي هو فاعل أساسي في المثلت البيداغوجي : أستاذ- تلميذ- منهاج , ولا يمكن بتاتا الاستغناء عنه فهو الوسيلة الوحيدة عندما تغيب كل الوسائل وهو الدليل الوحيد عندما تعجز كل الدلائل.
 ذ. عبد الصمد حنين

إرسال تعليق

0 تعليقات