بقلم - محمد ياسر سعد
الكثير من الأصدقاء يسألونني عن سر ارتباطي غير المفهوم و المبالغ فيه بمادة الكوفتير، و لأجل التوضيح و رفع كل لبس و قصد تنوير رأي اصدقائي اكشف بشكل وجيز أصول فساد ذوقي:
لما كنت صبيا، و مثل كل الأطفال المنحدرين من أصول قروية فقيرة، كنت اقطع مسافة طويلة صيفا وشتاء لكي التحق بالمدرسة، لم تكن هذه المؤسسة تعني لي شيئا و لم يكن لدي طموح في تعلم أي شيء لأن الطبيعة كانت تستهويني و منها كنت أتعلم بالفطرة و الخبرة كيف اهذب حدسي، لكن المدرسة كانت بالنسبة لي مكانا نجتمع فيه نحن الصبيان الأشقياء لكي نتبادل المكائد و أكاذيبنا الجامحة و نتعلم أصول النفاق و نتذوق مرارة الخوف و الارهاب. ما كان يشدني الى المدرسة و يقوي عزيمتي للذهاب كل يوم هو المطعم المدرسي، و فيه تذوقت الكوفتير، هذه المادة اللزجة و الحلوة مثل احلام البائسين، فأصبح الكوفتير هو خبرتي الذوقية الرفيعة في ذلك السن، و كنت احلم بأن اشتغل في كبري بمصنع للكوفتير. و لما انتبه معلمي لشغفي بالكوفتير قرر بشكل ماكر أن يضاعف حصتي منه كلما ضاعفت مجهودي الدراسي، و تفوقت في ذلك و فاق شغفي بالكوفتير أي شغف آخر، و حصل أن زاد عطف معلمي علي لما ابديته من قدرة على التحصيل فرفع طلبا لجهات لا اعلم سلطتها بأن استفيد من مساعدة غذائية ، فتحقق ذلك و اصبحت احصل في كل جمعة أخيرة من كل شهر على علبة زيت و مسحوق حليب و جبن و كوفتير و كيس دقيق وضع عليها كلها صورة علم و كتب عليها عبارة "مساعدة من الشعب الأمريكي" و كنت اسعد كثيرا لأن الشعب الأمريكي يفكر في.
لما كبرت قليلا و انتقلت للدراسة في المدينة اكتشفت طلاقا صادما بين الدراسة و الكوفتير، و توقف الشعب الأمريكي عن الاهتمام بمصيري... لكن الكوفتير ظل الى يومنا هذا في نسقي الذوقي قاعدة لكل حكم جمالي و معرفي و أخلاقي...
الكثير من الأصدقاء يسألونني عن سر ارتباطي غير المفهوم و المبالغ فيه بمادة الكوفتير، و لأجل التوضيح و رفع كل لبس و قصد تنوير رأي اصدقائي اكشف بشكل وجيز أصول فساد ذوقي:
لما كنت صبيا، و مثل كل الأطفال المنحدرين من أصول قروية فقيرة، كنت اقطع مسافة طويلة صيفا وشتاء لكي التحق بالمدرسة، لم تكن هذه المؤسسة تعني لي شيئا و لم يكن لدي طموح في تعلم أي شيء لأن الطبيعة كانت تستهويني و منها كنت أتعلم بالفطرة و الخبرة كيف اهذب حدسي، لكن المدرسة كانت بالنسبة لي مكانا نجتمع فيه نحن الصبيان الأشقياء لكي نتبادل المكائد و أكاذيبنا الجامحة و نتعلم أصول النفاق و نتذوق مرارة الخوف و الارهاب. ما كان يشدني الى المدرسة و يقوي عزيمتي للذهاب كل يوم هو المطعم المدرسي، و فيه تذوقت الكوفتير، هذه المادة اللزجة و الحلوة مثل احلام البائسين، فأصبح الكوفتير هو خبرتي الذوقية الرفيعة في ذلك السن، و كنت احلم بأن اشتغل في كبري بمصنع للكوفتير. و لما انتبه معلمي لشغفي بالكوفتير قرر بشكل ماكر أن يضاعف حصتي منه كلما ضاعفت مجهودي الدراسي، و تفوقت في ذلك و فاق شغفي بالكوفتير أي شغف آخر، و حصل أن زاد عطف معلمي علي لما ابديته من قدرة على التحصيل فرفع طلبا لجهات لا اعلم سلطتها بأن استفيد من مساعدة غذائية ، فتحقق ذلك و اصبحت احصل في كل جمعة أخيرة من كل شهر على علبة زيت و مسحوق حليب و جبن و كوفتير و كيس دقيق وضع عليها كلها صورة علم و كتب عليها عبارة "مساعدة من الشعب الأمريكي" و كنت اسعد كثيرا لأن الشعب الأمريكي يفكر في.
لما كبرت قليلا و انتقلت للدراسة في المدينة اكتشفت طلاقا صادما بين الدراسة و الكوفتير، و توقف الشعب الأمريكي عن الاهتمام بمصيري... لكن الكوفتير ظل الى يومنا هذا في نسقي الذوقي قاعدة لكل حكم جمالي و معرفي و أخلاقي...
0 تعليقات
المرجو عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.