اخر الأخبار

;

أسلوب " الحوار " في عملية التدريس



أسلوب " الحوار " في عملية التدريس
بين المهارة البيداغوجية و الإستراتيجية التعليمية
على سبيل الاستهلال..
 
 حري التنبيه أن أسلوب " الحوار " يكاد يخلو، باعتباره إستراتيجية سيكوبيداغوجية ناجعة، من قلب الممارسة التعليمية-التعلمية الحالية بالمدرسة المغربية، و ذلك أثناء مزاولة مهمة التدريس من لدن الممارس البيداغوجي الحديث بخاصة، المثقل كاهله بالنظريات و المقاربات البيداغوجية المتدفقة بكثرة خلال الظرفية الزمنية المستعجلة الأخيرة..و ذلك نتيجة اللاوعي التربوي أحيانا و عدم تحمل مسؤولية تنويع مفردات الفعل التعليمي-التعلمي بكل تمفصلاته و التشبث بالمقابل بالأساليب الكلاسيكية أحيانا أخرى، أو نتيجة التجاهل المفتعل تحت مظلة " الأزمات الخانقة " الخارجة عن المنظومة التربوية التعليمية، أو نتيجة ضعف التكوين بنوعيه الأساس و المستمر و حتى الذاتي المفضي إلى السقوط في الأمية المعرفية، تلك التي تفشت بصورة غريبة في أوساط الفاعلين التربويين معظمهم، هذا فضلا عن الجهل المعرفي بأهمية هذا الأسلوب البيداغوجي أثناء معالجة الوضعيات البيداغوجية على اختلافها، باعتباره مضيعة للزمن الديداكتيكي، و استنفادا لطاقة المدرس (ة)، أو لكونه ( أسلوب الحوار ) كما يحلو للبعض وصفه؛ عنصرا أجنبيا دخيلا على المنظومة التربوية التعليمية، لا يتلاءم و توجهات و مكونات مؤسساتنا التعليمية، و لا يناسب المستوى السوسيوثقافي للجماعة الصفية ( الناشئة ) التي يشتعل معها المدرس (ة) ببلادنا..
   لامساغ للشك أن المتتبع للشأن التربوي/التعليمي سيلاحظ أن هذه التيارات الفكرية التربوية المتضاربة في أفق تسريع وثيرة الإصلاح عبر تفعيل مشاريع المخطط الاستعجالي، و استيراد مقاربات بيداغوجية حديثة نوعا ما، ستبقى مجرد إرهاصات ديماغوجية و شطحات كلام سفسطائي و آراء أيديوبيداغوجية واهية –إن صح التعبير-، يحاول المدرس الاختباء وراءها كي يخفي قليلا من عيوبه و نواقصه، رغبة في  إيجاد تبريرات لتقاعسه الإرادي    و ضعف مردوديته اللاإرادي...   و في وقت تزاحمه موجة الأدوار الكبيرة، حيث أضحى المدرس يضطلع بأدوار تربوية حساسة و حاسمة، و ذات دلالات رمزية عميقة؛ كالموجه و المرشد و المنشط و الوسيط... و بالتالي فقد بات في أمس الحاجة، بصيغة حتمية، إلى اكتساب مهارات جديدة و كفايات تواصلية خاصة، في سياق تجويد الممارسة البيداغوجية، و على رأسها مهارة توظيف " تقنية الحوار " قصد التغلب على مختلف العوائق المنهجية/الديداكتيكية   و الصعاب السيكوعاطفية التي يواجها أثناء صياغة مضامين النقاش مع الجماعة الصفية بوجه خاص، و تشييد الوضعيات التعليمية-التعلمية بصفة عامة، وبالتالي الظفر بتواصل تربوي ناجع من شأنه تحقيق الكفايات المنشودة.

ما معنى " الحوار " ؟ و ما هو هدفه الأساس و أهدافه الفرعية ؟

  إن " الحوار " في معناه الواسع- كما أشار أليه ( اشرف أنور جرجس )* وسيلة من وسائل الاتصال بين الناس و شكل من أشكال الكلام بين الأشخاص، إذ ليس كل ما بين الأفراد حوارا. و هدفه الأساس يتجسد في الوصول إلى نتيجة مرضية و فعالة للطرفين المتحاورين. أما تحديد الهدف فإنه يخضع لطبيعة المتحاورين، إذ أن هناك اختلافات قطعية بين الحوارات فحوار الأطفال غير حوار المراهقين أو الراشدين.. و من أبرز أهداف " الحوار " الفرعية ما يلي؛ 
*      تعديل بعض المفاهيم؛
*      تثبيت بعض الأفكار؛
*      تهذيب سلوك معين.

أين تتجلى أهمية " الحوار " ؟ التدريس نموذجا
  
غني عن البيان أن " الحوار " يعتبر من أفضل الوسائل المؤدية إلى الإقناع و تغيير منحى الفكر الذي قد يدفع إلى تقويم   و تعديل السلوك و تهذيبه، لأن " الحوار " يروض النفوس و يهيئها لتقبل النقد و احترام الرأي الآخر، فضلا عن إسهامه في تغذية روح المواطنة و اكتساب مهارات التواصل الفعال و الإيجابي. كما تتبدى أهمية " الحوار " في دعم النمو النفسي و التخفيف من مشاعر الكبت و التعقيد و العمل على تحرير النفس من الصراعات الطبقية الفكرية    و الاجتماعية، و تطهير الروح الإنسانية من المشاعر العدائية و المخاوف و كل أشكال القلق و التوجس ...
   الواضح أن أهمية " الحوار " تكمن أساسا في كونه وسيلة بنائية/علاجية تساعد الفرد في حل كثير من مشاكله سواء السيكواجتماعية أو العاطفية/الوجدانية و كذا التعليمية-التعلمية..  و إسقاطا لإحداثيات الأهمية العامة التي يؤكدها أسلوب " الحوار " على أرض واقع مهمة التدريس، سنكتشف أنه وسيلة بيداغوجية ناجعة تؤثر تأثيرا إيجابيا على  السيرورة التعليمية-التعلمية، فعبرها يمر الخطاب التربوي أثناء تشييد التعلمات و معالجة الوضعيات الديداكتيكية، كما أن هناك أسباب أخرى نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر؛
*      توفير تفاعل ديناميكي بين أحد أهم أقطاب الفعل التعليمي-التعلمي ( الممارس البيداغوجي و المتعلم ) تلك الأقطاب الرئيسية التي نعتها الباحث التربوي ذ عبد الرحيم الضاقية بالمثلث الديداكتيكي.
*      إحداث صيغ مختلفة للتواصل التربوي الإيجابي مع ضمان تبادلها بين جميع أطراف العملية التعليمية-التعلمية.
*      إبرام عقد ديداكتيكي بناء و وصريح، يسهم في نقل سلسل للمعارف المدرسية و تجنيدها ثم إدماجها في وضعيات تربوية متنوعة، و في ظروف بيداغوجية سليمة.
*      ضمان التعرف بشكل جيد و مستمر على مدى استيعاب و فهم المواقف المدرسية التي يواجهها المتعلمون أثناء مناقشة موضوع تعليمي تعلمي ما.
*      خلق مناخ بيئي تعليمي ملائم لممارسة تربوية ناجحة و مشجعة على تمهير التعلم و اكتساب الكفايات التواصلية داخل الفضاء المدرسي و خارجه على حد سواء.
*      إمكانية اعتماد تقنية " الحوار " كآلية تقويمية قصد التعرف على نقط ضعف و قوة المتعلمين من خلال تقويم التعلمات و الكفايات المستهدفة، خصوصا أتناء تشكيل ملائمات اجتماعية للوضعيات التعلمية من المنظور السوسيوبنائي لفليب جونايير مثلا، أو نتيجة استغلال مسرحة الفعل التعليمي-التعلمي كما يشير إليه الدكتور جميل حمداوي.
 
ما هي شروط " الحوار " الجيد؟

   للحوار شروط معينة تساهم في إخراجه من دائرة الفوضى و الروتين التي تشوب عملية محاورة الجماعة الصفية من لدن الممارس البيداغوجي، إلى دائرة أوسع من خلالها يتحقق الاستقرار النفسي للمتعلم من جهة و يتم خلق فضاء النجاح المدرسي المنظم من جهة أخرى، باعتبار " الحوار " وسيلة هامة تأسس للروابط الاجتماعية المتينة بين الأستاذ و التلميذ ثم تدعم الكفايات المدرسية المدمجة، و من هذه الشروط ما يلي؛
*      الحد الأدنى من الانسجام بين المشاركين/المتعلمين من ناحية السن و البيئة و الثقافة و اللغة و الحالة الاجتماعية.
*      أن يكون عدد المتحاورين ما بين 6 و 20 فردا حتى يستطيع أن يعبر كل فرد على أفكاره الذاتية ويعبر بكل تلقائية و أريحية عن آراءه و مواقفه الشخصية.
*      يستوجب فعل " التحاور و المحاورة " قيادة مثالية للأفكار و تنظيما محكما لتسلسلها و تنسيقا جيدا للكلام، مع تقديم الأفكار الأصيلة التي تتناغم مع الموضوع المتحاور حوله، بإشراك الجميع في صورة سلوك التعبير الحر مع تنويع أشكال التفاوض الإيجابي.
*      مراعاة مبدأ " الندية " مع اعتبار جميع الأفراد/المتحاورين متساويين على مستوى إعمال الفكر و النقد        و التحليل...
*      تقنين و تطوير أساليب الإنصات الجيد للمشاركين/المتحاورين من المتعلمين، و ذلك من لدن المحاور/الممارس البيداغوجي.
*      مراعاة مبدأ " تكافؤ الفرص " و أخذ المبادرة حيث لا يصح التمييز بين المتحاورين أثناء فتح حوار/نقاش حول وضعية تعلمية-تعلمية ما.

ما هي خطوات إدماج " الحوار " في التدريس؟

   مكمن التأكيد أنه لكل أسلوب بيداغوجي خطوات إجرائية يتم رسمها و تجريبها و تفعيلها ثم تثبيتها و تقويهما        و تتبعها من طرف الممارس البيداغوجي، و أسلوب " الحوار " بدوره يتشكل من ست خطوات ديداكتيكية مهمة، إذ يمكن أن يتخذ هذا الأسلوب أشكالا متعددة و مندمجة فيما بينها:
*      صياغة الوضعية_المشكلة الدالة ( الموضوع المحير و المستفز للذات المتعلمة ) في شكل حوار، مع ضبط الكفاية المستهدفة من خلاله.
*      عرض الدعامة الديداكتيكية support didactique من قبيل؛ الصورة – المثل الشعبي – الأغنية – المقال الصحفي – الحديث النبوي الشريف – المسألة الرياضياتية – السؤال التعليمي المحير – لغز – مقطع مسرحي...
*      تحديد المهمة tâche  التي من خلالها سيحدد الممارس البيداغوجي نواحي و تخوم الحوار، مع إعطاء التعليمات consignes الملائمة.
*      تعيين الهدف/العقبة مع رصد التمثلات الأولية لدى الجماعة الصفية و التي من شأنها ضمان الاسترسال في الحوار و التقدم فيه أكثر من لدن المتعلمين، إذا ما تجاوزوه ( العقبة ) بنجاح.
*      محاولة معرفة أسباب المشكلة التعليمية ( ثقافية، اجتماعية، دينية، اقتصادية، سياسية..)، و ذلك من أجل تنشيط النزاع السوسيومعرفي لدى الجماعة الصفية/المتحاورين.
*      تحديد الآثار السلبية للمشكلة التعليمية/موضوع الحوار على الفرد/المتعلم، و ذلك من خلال تهيئ نمط بيداغوجي يرنو إشراك الجميع ( إدماج الفكر التعاوني كما دعا إلى ذلك التربوي الفرنسي فريني ) قصد الإحساس بأهمية المشكلة الاجتماعية مثلا، و اتخاذ مواقف شخصية و لكن بروح الجماعة.
*      البحث عن سبل التخلص من المشكلة التعليمية/موضوع الحوار ( استحضار أدبيات بيداغوجية الذكاءات المتعددة لدى المتعلم/المتحاور و اعتماد تقنيات تنشيطية بيداغوجية كالقصف الذهني )، و ذلك من أجل التركيز أكثر على الخبرات الحية للمتعلمين و الابتعاد أكثر عن المعارف الخيالية ذات البعد النظري و التي لا تحرهم على البوح و الفضفضة و التعبير الحر السلس ، حيث لا مناص من ملامسة أرض الواقع خلال إعمال مبادئ الحوار التعليمي-التعلمي لكي يكون دالا و ليس ميكانيكيا.
*      فتح باب النقاش و إخضاع الوضعية-المشكلة لملائمة اجتماعية تسهم في خلق التوازن النفسي للمتعلم/المتحاور، قصد اكتساب كفايات تواصلية ناجعة، ثم إدماجها في وضعيات تواصلية أخرى مشابهة،     و تحويل المتعلم من متحاور عادي إلى صانع لمواضيع الحوار.

ما هو دور الممارس البيداغوجي في " عملية الحوار "؟

   لا غرو أن أدوار الممارس البيداغوجي عرفت تغييرات جذرية عقب التدفق الهائل للنظريات البيداغوجية خلال الفترة الزمنية الراهنة، و انتقل من مجرد ملقن و مسيطر على المواقف التعليمية إلى موجه و مدرب و منشط و مسهل للاكتساب المعارف و المهارات و الكفايات... ومن الواضح أن دوره في تجويد ممارسة فعل " الحوار " يكتسي طابع الأهمية و الجدية؛ حيث أنه يقوم بتحضير العدة الديداكتيكية/موضوع الحوار بدقة، مراعيا انسجامها مع ميولات         و حاجات المتعلمين، و في تناغم مع مضامين المنهاج الدراسي و احتراما للزمن الديداكتيكي... و ذلك اعتمادا على عملية التحري و الرصد، من خلال طرح جملة من الأسئلة التعليمية، شريطة أن تكون بسيطة غير مركبة و واقعية غير غريبة عن الوقع المعايش و ذات صلة وثيقة بالموضوع المتحاور حوله. و هذا النوع من الأسئلة المعرفة بالنكش لا يجب تعديلها كم لا يجب أن تكون مغلقة، و من الأجدر أن تفسح المجال أمام المتعلمين للتدخل بكل حرية لإبداء الرأي.
    بعد ذلك يقوم بإعطاء الفرصة لمشاركة الجميع و العمل على خلق مناخ الحوار المفضي إلى نتائج تهم الوضعية التعليمية-التعلمية المتحاور حولها ( تفعيل بيداغوجيا الإنتاج )، و لابد للممارس البيداغوجي أن يتصف بالحياد أثناء تسيير النقاش التعليمي، بارتكانه إلى تأهيل مهارات التنظيم في صفوف المتمدرسين المتحاورين، ثم العمل على تحرضهم و توريطهم و إغرائهم من أجل ضمان بيئة تعليمية- تعلمية خالية من المجادلات و الشجارات الناجمة عن سوء إدراك المغزى التربوي للحوار داخل فضاءات المؤسسة التعليمية، حيث على الممارس البيداغوجي/المحاور أن يراعي التسلسل المنطقي  لإستراتيجية " الحوار " و هندستها البيداغوجية، بسلاسة تضمن الوصول السريع إلى عمق الأفكار الشخصية و اكتشاف الحلول العملية المناسبة و توضيب الأرضية الملائمة لإدماج كفايات التحاور في وضعيات حياتية تلامس الواقع و تجسده ( ربط المعرف المدرسية بالتطبيقات الاجتماعية ).

ما هي أهداف " الحوار " في عملية تدبير الممارسة البيداغوجية ؟

   للحوار كما لباقي الاستراتيجيات التعليمية-التعلمية أهداف يسعى الممارس البيداغوجي إلى تحقيقها على أرضية الواقع التربوي بمعية جماعة الفصل، و من بين هذه الأهداف:
*       
*      تبادل الخبرات الحياتية ( الموجدة سلفا أو المكتسبة دراسيا )  بين المتعلمين/المتحاورين.
*      فهم عمق التفكير و عملياته لدى المتعلمين/المتحاورين ( الكفايات المطامعرفية )، و ذلك من خلال المناقشة.
*      اكتساب المتعلمين/المتحاورين أدبيات الحوار السليم كسلوك مدني إيجابي.
*      تسهيل عملية توظيف الكفايات التنظيمية ( منهجية التفكير الاستدلالي المنطقي ).
*      تقوية شخصية المتعلمين/المتحاورين، عبر اتخاذ المواقف الصائبة و التربية على اختيار المواضيع التعليمية-التعلمية المتحاور حولها.
*      ترويض الذاكرة و تنمية الذكاء ( في إطار بيداغوجيا الذكاءات المتعددة )، و تنشيط التعبير في شقه الشفوي لدى المتعلمين/المتحاورين.
*      اكتشاف بعض القدرات الدفينة و الغير مرئية لدى بعض المتعلمين/المتحاورين، مع إمكانية توظيفها في تنشط الحياة المدرسية ( في شكل تفعيل النوادي التربوية مثلا ).
*      كسر حاجز الخوف من أخذ الكلمة و من التعبير، و تحرير ذاتية المتعلم من الحصار العاطفي اتجاه العملية التربوية، و بالتالي التخلص تدريجيا من الخجل الذي يعتبر عائقا سيكولوجيا يؤزم وضعية المتعلم داخل حجرة الدرس و يبعده عن الانخراط مع أقرانه و التفاعل معهم في إطار جماعة تمثل المجتمع المصغر.
*      التخلص من بعض السلوكات الغير سوية التي تتبدى أثناء النقاش، كالعنف الكلامي و إصدار أحكام استباقية خاطئة و التشبث بالرأي الشخصي و الاستبداد به... ( التربية على المواطنة ).

كيف يمكن للحوار أن يصير إيجابيا ؟

   كي يصير لأسلوب " الحوار " إيجابية و فائدة تربوية، لا مناص من تحديد الغرض البيداغوجي منه ( الكفاية المستعرضة ) و فهمه في العمق و إدراك موضوعه و المحافظة على نسقه العام أثناء إدارة آلياته و ميكانيزماته،       و ذلك من أجل ضبط الزمن الديداكتيكي و حفظ الجهد و تعزيز مكانة الاحترام داخل الجماعة الصفية، كما أته يجب ضمان بيئة تربوية مفعمة بالاستقرار النفسي و العقلي، و ضبط مهارات الإصغاء الجيد و الأخذ و الرد و تقبل الأخر     و عدم احتقاره أو قمعه، فضلا عن مراعاة مبادئ المواطنة و العدل و التواضع و الصدق و الأمانة و الموضوعية      و اللباقة و المبادرة... و تذليل صعوبات " التفكير المنطقي " من أجل إنتاج " حوار " إيجابي، كما لا يصح إصدار أحكام مطلقة على المتحاور في خضم أخذه الكلمة حتى و إن كان " مخطأ نوعا ما " ( بيداغوجيا الخطأ ) كي لا يتحول الموقف التعليمي-التعلمي إلى سجال ة جدال عقيم الفائدة ، كذلك يجب اختيار الظرف الزمكاني القمين بإجراء " حوار " جاري في أحسن الظروف و الأجواء، أخذا بعين الاعتبار من جهة الظروف البيولوجية للمتحاور كالإرهاق و الجوع     و درجة الحرارة.. من جهة أخرى ظروف الاشتغال ( تدبير الفضاء المدرسي ) كضيق المجال الصفي و الإضاءة        و التهوية و ما إلى ذلك.

ما هي أسس إدارة " الحوار " ؟

   أمست لإدارة " الحوار " مكانة بيداغوجية خاصة في حقل التدريس المعاصر، فنا و مهارة و كفاية، تتطلب الإفادة من التجارب الشخصية و حب التفاعل مع الآخر و تقبل العادات و التقاليد و الانفتاح على العادات و التقاليد الأخرى... كما أن إدارة " الحوار " فن لا يقوم على الموهبة وحدها بل يتطلب عملا متواصلا و إحساسا فريدا        و استشعارا خاصا بأدبيات " الحوار ".
   و لنجاح جلسة تعليمية-تعلمية حوارية لا بد من توضيح بعض المفاهيم/المفاتيح التقنية الأساسية و من أبرزها:

*      اكتساب مهارة الانتقال السلس من مرحلة إلى أخرى دون التشويش على نسقية " الحوار " مع إضافة لمسة مرح على الجو التربوي العام للحفاظ على ودية الحوار.
*      تزويد المتعلم/المتحاور بالمعلومات/المفاتيح اللازمة لأخذ الكلمة بأريحية، على شكل فلاشات عناوين النقاش بين الفينة و الأخرى، أو تدوين نقاط متعلقة بموضوع النقاش على السبورة/لوحة جانبية دون التمادي في إغراق المتعلم/المتحاور بالمعلومات الزائدة عن الحد و الآراء المتباينة، حتى لا يصبح المحاور مستبدا        و مسيطرا على الأوضاع التعليمية-التعلمية الحوارية.
*      التأكيد على جدوى احترام قيم و وجود " الآخر " و رؤاه الشخصية، دون استعمال لغة النبذ أو السلطة أن مادية كانت أم معنوية قصد إثبات العكس، بل من الواجب، في كل لحظة بيداغوجية، توريط الجماعة الصفية المتحاورة في إدماج خطاب تربوي مرن بشكل سلس.
*      التحفظ تجنبا لجرح مشاعر " الأخر ".
*      استغلال صناديق من الورق المقوى ( الكرتون ) تحوي بطاقات حاملة لأفكار مدونة تتماشى و الوضع التعليمي التعلمي الحواري و مع استعدادات المتعلمين النفسية، تساعدهم على متابعة النقاش/الحوار بشكل مستمر و أفضل، رغبة في التغلب على العقبات التي غالبا ما تكون سببا في فشل مثل هذه الأنماط البيداغوجية الخارجة عن المألوف.
*      احترام حرية المشاركة من قبل بعض المتعلمين/المتحاورين، حيث لا يجوز استعمال أساليب الضغط و لغة الضبط الصارم و المشاركة الإجبارية.
*      إعمال مبادئ المرونة و استبعاد ردات الفعل السلبية و الأحكام الفجائية التي تصدر عن المحاور أثناء تسيير موقف تعليمي تعلمي حواري.
*      الحث على الحضور القوي للذات المشاركة في الحوار، إذ لا يعني فقط التركيز الجانب اللغوي فحسب، بل أيضا تشجيع لغة الجسد و الحركات و الإيماءات..
*      التفعيل الجيد و الناجع لمدخلات أجرأة الحوار المباشر على شكل  وجها لوجه face to face   ، و إضفاء صبغة الإيجابية على مخرجاته، مع تغيير النظرة الماضوية الكلاسيكية باعتبار " الحوار " بين المتعلمين شجارا و كلاما عابرا مثلا.

مجمل القول..

  لقد أثبتت مختلف البحوث التربوية و الدراسات الميدانية البيداغوجية بجل مشاربها على أن " الحوار " سلوك        و تكتيك  و منهج تربوي مهم جدا في سبيل تجويد الممارسة البيداغوجية، قبل أن يكون إستراتيجية ديداكتيكية لا مناص منها، فبانعدامه تفشل جميع المقاربات البيداغوجية رغم حداثتها و نجاعتها، و يتردى الأداء البيداغوجي في دوامة النمطية و التعقد و سلطة الرأي المستبد، و إن اختلفت مظاهرها ( المقاربات البيداغوجية ) و سلوكياتها شكلا فجوهرها مازال مقيدا بأغلال الممارسة التقليدية ..حيث يحلو للمدرس ذي الوزرة البيضاء اعتلاء المصطبة و ترأس الخطاب التعليمي التعلمي بجرأة فائقة أحيانا و متعجرفة أحابينا أخرى مسلطا نور علمه بشكل عمودي " متلفز " صرف.. إنها ممارسة تربوية تغييب " الحوار " و مبادئه من جسد التدريس المنهك جراء التعديلات و التغييرات المتراكمة .. إنها ممارسة عقيمة لم يتغير منها سوى ألوان أغلفة الكتب المدرسية المتعددة و ساعات استعمال الزمن المضنية و بعض المصطلحات الرنانة و الفضفاضة التي تطفو على سطح الإصلاحات التي تعرفها بلادنا على مضض كل سنة أو بضعها. نأن


  بقلم ذ جمال الحنصالي

إرسال تعليق

0 تعليقات