اخر الأخبار

;

أوريد: لا مجال لدخول التجربة الإنسانية بمنظومة تربوية منكمشة

لم يشأ المفكر المغربي، حسن أوريد، أن يبسط القول، أمس الجمعة، في "صراع الحضارات"، دون الرجوع إلى مساء يوم الثامن عشر من أكتوبر عام 1992 بالولايات المتحدة، حيث انبلجت أطروحة صراع الحضارات، لصموئيل هنتنغتون، في فترة كانت الحرب الأهلية بالبوسنة في أشد استعارها، عمد فيها الغرب إلى تصوير البوسنيين أعداء لا ضحايا، في سياق كانوا ينقبون فيه عن عدو جديد يحل مكان عدو أحمر، قضى نحبه.
أوريد، الذي كان بسحنته الإفريقية، وفق ما روى، بين جموع من حضروا، قال إنَّ المحاضرة نظرَ إليها بكثير من الازدراء، ولم تول حظا كبيرا من الأهمية، مشيراً إلى مجيء مصطلح جديد، لتقويم اعوجاج الأول، بالحديث عن "تحالف الحضارات"، عقبَ أحداث مدريد الإرهابية في مارس 2003.
وخلال اللقاء ذاته، أشار الدكتور والباحث، محمد بنصالح، الذي قدم اللقاء، إلى أنَّ المفهوم خلف إحساسا بأنَّ العالم الإسلامي هو المستهدف، قبل أن تؤدي تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر بنيويورك إلى تحولات مفصلية، أعقبها الكثير من العنف بأفغانستان والعراق ومناطق أخرى من العالم.
وعن حوار بين الحضارات، قال صاحب مرآة الغرب المنكسرة، في ندوة بمقر وزارة الشباب والرياضة، "دعوني أصدمكم، لا أؤمن بشيء اسمه الحوار بين الحضارات"، لأنه لا وجود إلا لحضارة واحدة، تتقوى فتصبح مرجعا، ورصيدا ينتقل إلى حضارة إلى أخرى.
واستدل أوريد بعدة أمثلة عن سيرورة الحضارة الإنسانية، ومتحها بشكل تراكمي من مكتسبات الفعل البشري، بدءً من التقويم البابلي المعتمد حتى اليوم، في تقسيم الأسبوع إلى 7 أيام، والسنة إلى اثني عشر شهرا، ثم كلمة آمين، المرددة في أعقاب سورة الفاتحة، الضاربة بجذورها في الحضارة المصرية والإله آمون، حيث انتقلت إلى العبرية وبعدها إلى الديانات التوحيدية، دون إغفال السياق اليوناني لكلمة ديمقراطية، التي غدت مطمحاً يرومه الجميع في اللحظة الراهنة.
وعرج المؤرخ السابق للمملكة، على تراكم منجزات الحضارة الإنسانية، ليخلص إلى أنه ما كان أن يكتب لأوربا الانعتاق من ليل القرون الوسطى لولا الدور الذي اضطلعت به طليطلة في نطاق الترجمة، وسردينيا، في وصلها بين الحضارة الإسلامية الآفلة والحضارة الأوربية المنبعثة. علاوة على الاكتشافات الجغرافية التي غيرت موازين القوى بين الحضارتين، والتي ما كانت لترى النور لولا إسهامات العرب الذين اخترعوا البوصلة والأسطرلاب، وكانوا على متن بواخر المستكشفين.
الأكاديمي المغربي استطرد قائلاً إنَّ صورة الغرب اهتزت، بعد ذلك، بسبب التحديث الشكلي الذي دعا إليه ، وتوظيفه في مرحلة من المراحل نخبا مرتبطة بالمصالح وتصرف النظام الرأسمالي على نحو أدى إلى وقوع مظالم كثيرة، مع ازدراء الثقافات المحلية، بصورة اشتد معها عودُ الشيوعية كتحد يقف في وجهها.
وزاد أوريد أن الحديث عن حوار بين الحضارات أمر لا يستقيم، مع بروز أسئلة من قبيل؛ من بإمكانه أن يمثل حضارة أو يتحدث باسمها؟ ثم هل يمكن التمييز اليوم بين أنماط الحياة والطعام واللباس بين شنغهاي ونيويورك؟ مادامت الحضارات غير نقية، وبالنظر إلى التفاعل الكبير الحاصل عبر التاريخ، الذي لم تسبر أغواره بعد بشكل كاف، لدى العرب.
وما دام الحوار بين الحضارات منتفيا، فإنَّ المتحتم إذ ذاك هو انبراء المجتمعات المتخلفة، وفق أوريد، إلى سد الفجوة عبر التعليم. لأنَّ الحضارة القائمة اليوم ليست حضارة غربية بقدر ما هي حضارة إنسانية واحدة، تحيطُ بها عدة أنساق ثقافية تختلف في مناحي شتى.
وبشأن قدرة التعليم على ضمان لحاق المجتمعات المتخلفة بالحضارة، قال أوريد إنهُ من غير الممكن أن ندخل التجربة الإنسانية بمنظومة تربوية منكمشة، لأنَّ هناك حاجة إلى ثورة ثقافية، من غير الممكن القيام بتأجيلها، وذلك يكون عبر تدريس القيم وترسيخها في نفوس النائشة، بنظام تربوي ناجع، لا تدور فيه رحا حرب هوياتيه لا تستحضر الأهداف بقدر ما تغرق في تفاصيل غير مهمة، متسائلا عن فحوى رفض تدريس الرياضيات والعلوم باللغة الفرنسية، ما دام الأمر سيمكن في نهاية المطاف من تكوين إطار كفء حيث أكد صاحب الموريسكي، أنَّ تدبير التعليم يجب أن يبقى بمنأى عن جميع الحسابات الضيقة.

إرسال تعليق

0 تعليقات