الحسين وبا
إذا
كانت كل أدبيات المواثيق الدولية ومواد الإعلانات الكونية وعلى رأسها
إعلان جنيف لحقوق الطفل شتنبر 1924 والإعلان العالمي لحقوق الطفل في
نونبر1959 وقواعد بيكن لعام 1985 ومضامين الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل
عام 1989 ناهيك عن العهدين الدوليين لعام 1966 للحقوق المدنية والسياسية
والحقوق الثقافية والاقتصادية والاجتماعية تقر بحقوق الطفل وحريته وتحث كل
دول الأعضاء على صيانتها وحمايتها من الانتهاك والتجاوز، وإذا كان المشرع
المغربي قد عامل الحدث- ذكرا أو أنثى- أثناء ارتكابه لمخالفة أول جنحة أو
جناية معاملة خاصة وذلك تماشيا مع خصوصياته الإدراكية والتمييزية أي وفق ما
ينص عليه الأساس القانوني للمسؤولية الجنائية، حيث نص المشرع المغربي في
المادة 372 من قانون المسطرة الجنائية، على أن الطفل الذي لم يتم 12 سنة من
العمر يعتبر طفلا عديم المسؤولية؟ أنه عديم الإدراك والتمييز، وبناء عليه
فإن كل أشكال الأحكام سواء بالسجن أو التأديب والتهذيب تسقط عليه. أما إذا
أتم 12 وأقدم على سن 16 سنة فانه يكون ناقص المسؤولية، لذلك أمر المشرع
المغربي بالحفاظ به في زاوية خاصة وبعدم اختلاطه مع الراشد حفاظا على
خصوصيته النفسية والعمرية نظرا لنقصان التمييز والإدراك لديه.
أما
إذا امتلك 18 سنة شمسية كاملة ن فيكون في تمام الأهلية الجنائية، استنادا
للفصل 140 من القانون الجنائي والمادة 458 من قانون المسطرة النائية.
فلماذا تغفل مؤسساتنا التعليمية خصوصية هذا الكائن البشري: نفسيا وعقليا
وجسمانيا وعمريا...الخ؟
أين نحن من تحقيق المصلحة الفضلى للطفل؟ كذلك أين نحن من جعل المتعلم في صميم إصلاح المنظومة التربوية؟
أثبتت الإحصائيات في علم الإجرام- انظر مجزوءة تحليل النصوص الجنائية والإحصائية المتعلقة بالأحداث مع الدكتور عبد السلام بنحدو[1]- أن:
من
جملة العوامل التي تدفع بالحدث نحو الجنوح هناك العامل الذاتي/ الشخصي
والاجتماعي والبيئي بالإضافة إلى العامل التعليمي والتربوي،- الذي يهمنا
هنا- يرجع إلى مدى العنف الذي يمارس على الحدث والإهانة التي يتعرض لها
الوسط المدرسي سواء من طرف الإدارة ومساعدوها أو من قبل الأساتذة أو قبل
الغير. من هذا المنطلق وجب علينا إعادة النظر في تعاملنا وتواصلنا مع
الأحداث في تغيير آليات الاتصال والتواصل مع ذوي الأعمار المتراوحة بين 12
و16 سنة، خصوصا وان جميع الشرائع والنواميس الدينية والتشريعات الوضعية
والسياسات الدولية أجمعت على احترام ورعاية هذا المخلوق من ولادته إلى
بلوغه 18 شمسية كاملة، باعتباره نواة المستقبل ورهان كل تنمية منشودة.
إذن كيف السبيل إلى إنتاج طفولة ناجحة؟
ما هي الإستراتيجية البيداغوجية لتحبيب المدرسة للأطفال ذوي النزعات العدوانية و الانحرافة؟
للإجابة على هذه الإشكالات العميقة، أقترح المفاتيح التالية:
1- تغيير ميكانزمات التواصل مع الحدث ذي 12 سنة،
في الغالب تتموقع هذه الفئات العمرية بين المستويين 5 و6، وبما أنها
مرحلة ليست هينة، خاصة من جانبها النفسي والوجداني والجنسي، فاعتقد أن لغة
التواصل مع هذه الفئات الصغرى تستوجب التغيير مقارنة مع المستويات
السابقة: 1 و2 و3 و4، حيث يصبح المحيطون بالحدث في الفضاء المدرسين: إدارة
تربوية وأساتذة ومساعدون وشركاء اجتماعيون واقتصاديون ملزمون باللباقة
والمرونة وحسن الإنصات لذوي هذه الأعمار والبنيات الجسمية، لاسيما إذا
علمنا أن هذه المرحلة جد حساسة في تشكيل شخصية الإنسان، مادامت تستمد
أصولها وقوتها من كل الممارسات والمعاملات والتواصلات والأفعال سواء التي
تمارس على هذا الأخير أو التي قد يقوم بها بدوره أو يساهم فيها إما سلبا أو
إيجابا. لذلك فإن كل الاهانات التي يمكن أن يتعرض لها وكل أشكال العقاب-
المادي و الرمزي-، قد تفضي إلى اتخاذ قرار الانفصال عن الدراسة والارتماء
في أحضان الجنوح والجريمة سواء ضد نفسه، كتعاطيه لتناول المخدرات على سبيل
المثال وضد غيره كاعتراض سبيل المواطنين لنهبهم والاعتداء عليهم. لذلك بات
من الضروري الانتقال من الأشكال البيداغوجية البالية لمؤسساتنا التعليمية
وخاصة بالمستويات التالية: 5 و6 بالنسبة للسلك الابتدائي و7 و8 و9 بالنسبة
للتعليم الإعدادي، إلى أشكال حداثية تستحضر ذاتية وكينونة هذا الفصيل
الآدمي في أبعاده الإنسانية والحقوقية والقانونية، ضمن مقاربة شمولية تعتمد
نص الرسالة الملكية السامية الموجهة للدورة 10 للمؤتمر الوطني لحقوق الطفل
بتاريخ 25 مايو 2004.
2- على مستوى القاعات الدراسية:
نلفت
انتباه الإدارة التربوية - تحديدا- إلى أن الحجرات الدراسية الخاصتين
بالمستويين 5 و6 على صعيد المدرسة الابتدائية، يجب تكون مخالفة للمستويات
السابقة- الصغرى- سواء من حيث:
*
ما تحتويه هذه القاعة من صور وصباغة وإنارة وطاولات وطريقة الجلوس عليها-
انظر أهمية العمل بالمجموعات مع المربي الفرنسي كوزيني في هذا الصدد[2].
*
إن هذه الفئات العمرية بالضبط تقتضي طاولات وكراسي فردية عكس ما كان عليه
الوضع سابقا، كما أن مجموع الصور والعبارات البسيطة والمكتوبة على جدران
الحجرة الدراسية أو زوايا خاصة، أصبحت لديه روتينية ومستفزة لنموه الفكري
والوجداني والنفسي، لأنها أمثلة وعبارات لا تشعرهم بالنقلة الحاصلة في
مسيرتهم الدراسية.
*
نشوة نجاحهم عند كل مطلع دراسي تتكسر وتتخلف مع أوثان التعبير والشعارات
الجامدة التي تلاحقه أينما رحل وانتقل. إذن لكي نحمي هؤلاء الأحداث ونذكي
في نفوسهم روح الإبداع و التنافسية الايجابية، وجب علينا على الأقل تمييز
هذه المستويات المشار إليها سابقا عن باقي المستويات المتبقية.
3- على مستوى الأوراش والأنشطة التربوية:
لا
يمكن للمدرسة الابتدائية أن تنهض برسالتها التربوية وتحقق الجودة
المتوخاة، إلا إذا احترمت حقوق هذه الفئات العمرية وعززت حمايتهم من كل أذى
اجتماعي واقتصادي ومن كل شطط في استعمال السلطة، وهذا لن يتأت إلا بتغيير
الخطاب وآليات التواصل مع ذوي هذه الأعمار وفتح أوراش وخلق أنشطة تربوية
وثقافية وفنية ورياضية. يكون الحدث فيها هو قطب الرحى، يبرز فيها من جهة
مهاراته ومخزونا ته الداخلية ويحقق من جهة أخرى- في مثل هذه الأمسيات
والتظاهرات- كفايات نوعية وممتدة هامة كالكفاية التواصلية والمعرفية
والتشاركية والثقافية.
وإذا
كانت الأنشطة بتنوعها و تعددها في الماضي غاية يحقق المتعلم من خلالها
غاياته الوجدانية والنفسية وخاصة مع جو الفكاهة والمسرح والأناشيد، فإنها
تعد اليوم دعامة أساسية لاكتمال نمو شخصية الحدث وركيزة قوية للإعراب عن
خواطره و اهتماماته وتفجير مهاراته وخواطره. فالأنشطة التربوية باختصار
أضحت مدخلا رئيسيا لنجاح وتطوير الفعل التعلمي والعرض التربوي.
[1]
- فقيه في القانون الجنائي بكلية الحقوق بطنجة، و احد الأساتذة المميزين ف
ماستر الطفولة وقضاء الأحداث، له مؤلفات نفيسة في عالم المنظومة الجنائية
اذكر منها: الوجيز في القانون الجنائي المغربي، والمقدمة و النظرية. ثم
الوجيز في شرح المسطرة الجنائية المغربية ، مع آخر التعديلات 2003..
[2]
- يتعلق الأمر بالمفكر الفرنسي، الذي دعا إلى العمل بالمجموعات في الفصول
الدراسية. و كان اقتراحه هذا بمثابة الثورة التربوية على الأوساط و الطرق
التعليمية التقليدية ليس بفرنسا فحسب و إنما فعالية أفكاره شملت كل بلدان
العالم.
0 تعليقات
المرجو عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.